جلس يقلبها يمينا وشمالا، وبدا مقتنعا كثيرا بأهمية فتحها إلى درجة لم يتحمل الصمود حتى نهاية الحفلة، كي يكتشف ما بداخلها، لم يكن كأي طفل صغير بلغ التاسعة من عمره يفكر في كعكة عيد ميلاده ومذاقها. وحتى لم يسأل أمه ذلك السؤال البديهي (بأي نكهة كعكة عيد ميلادي يا أمي هل هي بطعم الشوكولاطة أم بطعم الموز أو بطعم آخر لا نعرفه ). ولم يكن فضوله يصل إلى حد يسأل فيه عن ما يوجد داخل كل تلك الصناديق الملونة المختلفة الألوان والأحجام، وعن الزينة التي جعلت من البيت عالما مليئا بالألوان، غريبا عن عالمه الحقيقي. أما صوت الموسيقى الصاخب وقهقهات الناس الذين يعرفهم ولا يعرفهم لم تضفي إلى كيانه الصغير إلا مزيدا من الضياع والوحشة .
دخل غرفة مظلمة وأوقد مصباحا قوي النور، كان يمسكها بحذر وفرح شديدين كما تمسك الأم مولودها لأول مرة، وكأنها لا تصدق أنها تعانق إنسان يتحرك ويبتسم وينام، وعندما يتألم أو يجوع يصرخ معلنا رفضه للحالة التي يعيشها . كانت هدية من جده ذلك الشخص الكبير والحكيم الذي طالما أحبه وعشقه لسبب يجهل معرفته حتى هو نفسه. صورة كبيرة وقطع كثيفة وصغيرة، هذا ما كانت تحتويه تلك العلبة الصغيرة .في البداية بدا متحمسا جدا وظن أنه سيكملها في الساعة الأولى، لم يكن يعرف أن اللعبة صعبة جدا، وشاقة جدا، وكبيرة جدا، يمكن لو فكر قليلا لما كان قد لعبها، ولكنه ليس من النوع الذي لا يفكر أبدا، قد يكون أراد أن يحاول مقتنعا بأن الفشل الأكبر في حياتنا هو ألا نحاول، مهما كانت هذه المحاولة ستكلفنا .
كان كل الناس قد ذهبوا أخذوا معهم هداياهم ،صخبهم وحتى الشموع التي فوق الكعكة بعدما انطفأت وذابت على جوانب الحلوى . أما هو فلم يكترث لهم ولا للشموع، فقد أمضى الليل بكامله مركزا على القطع محاولا البحث عن القطعة الأولى وعن البداية، ولكن بلا جدوى، حاول أن يبكي و لم يستطيع. وأكبر جريمة في حق الطفولة ألا تستطيع البكاء. فتح الباب معلنا استسلامه، لم يكن أحد ينتظره إلا جده الذي كان جالسا في الزاوية فقال له : لم أكن أظن أنك ستصمد إلى هذه الدرجة. فأجابه الطفل: لماذا أهديتني هذه الهدية يا جدي، رغم أنك تعلم أنها أكبر من سني بكثير وبأني لا أستطيع أن ألعبها أتريد أن تظهرني بمظهر ضعيف أمام نفسي فأحتقرها ؟ لا يا ولدي ولكن لماذا -والدموع تذرف من عينيه-. أين الخطأ يا جدي هل أنا المخطئ أم اللعبة . الخطأ ليس فيك ولا في اللعبة بل في التوقيت الذي اخترته كي تلعبها .كان لديك خياران إما أن تجلس مع أصدقائك وتستمتع بحفلة عيد ميلادك وترقص وتغني وتلعب، ومن بعدها تفتح ألعابك الأخرى وتلعب بها وستشعر بالسعادة لأن ستكملها لأنها لعب تناسب سنك، وهناك خيار آخر أن تلعب بهذه اللعبة ولكن عليك أن تكبر عشرون عاما أخرى، وهذا ليس ممكنا الآن وحتى لو كان ممكنا فمن يتخلى عن طفولته من أجل لعبة ؟ . ولكن يا جدي كلا الخيارين لا يناسباني فأنا لا أستطيع أن أكبر وكذا لا أحب لعب الصغار. إذن ضع هذه اللعبة في صندوق وكلما أقدمت على شيء تذكر هل سيساعدك على أن تصل إلى تلك اللعبة أم سيعرقل طريقك. وعندما أصل إليها ماذا سيحصل؟ ستبحث حينها عن لعبة أخرى وعن سبب آخر للحياة يستحق الحياة . أنا أحبك كثيرا يا جدي ولا أريد أن أخسرك يوما. ستحب كثيرا من الناس في حياتك يا ولدي ولكن حينها لا تكن طفلا صغيرا يتعلق بلعبة كبيرة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire