أحس بضيق في التنفس ، ففتح الباب وتوجه إلى المقبرة دون أن يرصد الاحتمالات الأخرى، كأن يركد دون توقف ودون أن يتعثر في أول قطعة صغيرة من الحجر يصادفها، أو أن يمسك كتابا يتحدث عن الخير والشر وعن الفضيلة أو أن يشعل الراديو كي يسمع أخبار الصباح، وكان ممكنا أن يحمص الخبز ويضع فوقها الجبن والمربى مع قليل من الحليب الساخن ، كان يمكن أن يتصل بصديق له ولكنه لم يفعل. كان يعرف أنه حتى لو ذهب إلى المقبرة فلن يجد قبر شخص يبكي عليه ويرثيه، ويحكي له عن معاناته في الحياة من دون أن يكون إلى جانبه ويسانده ويعبر له عن اشتياقه إلى بسماته عندما يكون سعيدا و صمته حين يكون تعيسا وإلى ترنيمات صوته وإلى حركات وجهه وتقاسيمها. لا لم يكن هناك شخص يعرفه لا أب ولا أم ولا أخ ولا صديق ولا جار حتى . ومع ذلك توجه إلى قبر شخص غريب وبدأ يحكي: أنا لا أعرفك، ولا أعرف ماذا كنت سعيدا أم تعيسا، هل كنت لاعب سلة وسيما وجميلا وجذابا تحلم كل الفتيات بنظرة منه ولكنه يتوجه دائما إلى الفتاة التي لا تعطيه قيمة وتتفه حياته. أم كنت شخصا عاديا يعمل طول النهار وينام الليل ويعيد القصة كل يوم .أم شاعرا أو كاتبا قرر أن يتخذ الكتابة ملجئا وحلا وأحسها طريقة جميلة للهروب ، أم أنت لص أردت أنت تخرج من واقعك المأساوي وتعرف أن ما تفعله خطأ ولكنك تفعل بدعوى أنك تريد أن تعيش وبأن كل الناس يفعلون ما تفعل ، أم أنت من الناس الذين يعملون طول حياتهم ويرسمون الهدف وراء الهدف وعندما يكبروا يحسون بأنه لم يعد وقت لراحة والاستمتاع يما حققوه فيموتون . كيفما كنت وكيفما لم تكن فهو شيء عادي كل شيء عادي ، الكتب المكدسة فوق مكتب قديم، الغرفة التي لا تطل إلا على الكلاب النائمة ، هذا الصراع المفتعل بين الخير والشر بين الرذيلة والفضيلة ، هذا الإحساس بالانتقام أو الغفران، كل شيء عادي الشيخ الوقور والسارق ، والفاسق والعالم وبنات الليل وبنات المدارس . كل شيء عادي لم يعد هناك شيء يرعبنا و نستغرب عندما نراه . ومع ذلك فأنا أيها الميت لا أفهم ولا أعلم ولا أستطيع أن أحلل رغم أن كل الناس يفهمون ويحللون وينتقدون ماذا يظنون نفسهم فاعلون ، هل عرفوا ما هي الحقيقة؟ أنا لا أعرفها ومازلت أسأل نفسي هل هناك شيء يستحق الحياة؟ يمكن : ككلمة شكرا من فم طفل صغير، مقاومة النعاس في الصباح، دخولك للأماكن لأول مرة، إحساسك بالأشياء لأول مرة، استمرارك في السير رغم تشقق رجليك بالدماء، سماع أغنية عبد الحليم صدفة في التاكسي أوفي الباص ، بكاء أم على طفلتها المسافرة، حضنك لشخص لم تراه منذ مدة فتبلل سترته بالبكاء ولكن لا أحد منكما يحس . صرختك فوق جبل عالي . كل هذه الأشياء جميلة ولكن لم نعد نحسها ، وحتى عندما نفعل نحسها بقلب متعب ، وعينين فارغتين . ماذا هل فقدنا تعلقنا بالحياة . لا
أعلم هل نكمل حياتنا أم علينا أن نتوقف قليلا ؟ لا أعلم ولكني أحب قصة البؤساء لفيكتور هيغو
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire