جلس على حافة الطريق كان يحاول الوصول إلى الحديقة ، و لكن الشمس كانت حارة جدا ، فاكتفى بالجلوس على حافة الطريق و هو يتأمل و ينظر إلى مئات الوجوه من دون خجل يدقق تفاصيلها ، و يدرس حروفها ، كأنه يريد حفظ تقاسيمها أو يمكن أنه كان يبحث عن وجه في وجوهها . و كأنه كان يقول شيء و لكن لا أحد كان يسمعه ، إلى أن جاءت فتاة صغيرة و جلست أمامه و قالت : يا أبتي لماذا تجلس هنا و الحديقة في الجانب الآخر من الطريق لا يفصلنا عنها غير شارع واحد ؟ فهيا بنا ننهض إلى الحديقة فرد عليها قائلا : صفي لي النور يا ابنتي ،قالت أنا لا أعرف . و كيف لا تعرفين فأنا أعمى لا أرى غير السواد ، أما أنت فعيونك زرقاء كعيني أمك ، ترينه كل يوم و تحسينه كل دقيقة لمجرد أنك طفلة . يا ترى ما هو لونه ؟ قالت وكيف عرفت أن عيني كعيني أمي زرقا وتين ؟ قال أجيبيني أنت أولا كيف هو النور ؟ أنا لا أعرفه و لكن أمي تقول أنه شيء سيدق بابنا يوما ما ، و سنفرح كثيرا لأننا رأيناه و سنشعر بشيء غريب يدغدغ إحساسنا و ينعش تفكيرنا و تقول أمي إذا ما رأيناه ستكون نهاية مأساتنا و بداية حياة جديدة في تاريخنا هكذا تقول أمي.
و أنت ماذا تقولين ؟
أنا لا أقول شيئا و لا أنتظر شيئا ، و لكني لا أحب الغرباء ، على عكس الطيور أحبها عندما ترفرف عاليا بجناحيها فتذهب متى تشاء و تعود متى تشاء ، وأحب أن أرتمي بين أحضان أمي عندما أحس بالبكاء ، أحب أن أغني و أقهقه بصوت عالي إذا ما أردت الضحك و الغناء، و أحب أن أتحدث كثيرا إذا ما رجعت صديقتي من السفر و أحب دميتي لأنها أعز صديقاتي بعد صديقتي المسافرة . و أين هي صديقتك ؟ تقول أمي أنها سافرت إلى مكان بعيد جدا و لكني أشتاق إليها ، و أكتب لها كل يوم رسالة كي أتحدث إليها و أدعوها إلى الرجوع لأني أنتظرها رغم أني أكره أن أنتظر. و ماذا تحبين كذلك ؟ أحب الشموع و أحب الورود و تقول أمي أني يجب أن أحب الصمود و أن لا أصدق العهود و الوعود . آن الآن أن تجيبني كيف عرفت أن عيني زرقا وتين و من أين تعرف أمي ؟ كانت تقول لي زوجتي أن النور أن ترى و أنت أعمى و أن تنعم بالحرية و أنت بين الأسرى ، و أن تكون متعافيا و أنت في المستشفى و أنا اليوم رأيت النور يا ابنتي و رأيت عيوني أمام عيوني .
أنا يجب أن أذهب ، أمي ستعاتبني إذا تأخرت هيا معي لنذهب معا إلى الضفة الأخرى . قال : لا بعدما رأيت كل ما أريد أن أراه لا أريد الضفة الأخرى و لا أريد أن أتكبد عناء المحاولة مرة أخرى ....
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire