lundi 18 octobre 2010

مجتمع الأخطاء

كان اليوم أشبه بفسحة خريفية ، امتد فيها عمرنا ألف عام ارتفعنا فيها إلى السماء لنرى العالم من فوق المدينة لنرى شيْا لا يمكن أن تراه و أنت جالس على مقعدك تحتسي قهوتك الصباحية و تشتكي من مذاقها. كان يجب أن ترتفع إلى السماء لتكتشف شيئا طالما بحثت عنه ، كان يجب أن تذهب إلى ذلك المكان لتبحث عن أجوبة كثيرة لأسئلة كادت أن تخنقك، لأنك كنت تبحث عن شيء من حقك أن تبحث عنه. كنت تريد جوابا واحدا لأسئلة متعددة كنت تبحث كل يوم عن كل شيء في كل شيء في القصص و الروايات، في الأشعار و الأساطير، في الأغاني في المسلسلات في الكتب وحتى في المقررات ، لكن لم يكن هناك جواب محدد لأي شيء ، حتى في الكتب التي كنت تحبها أكثر من أي شيء و تغلفها بغلاف سميك لتحميها من هشاشة الأيام
المقبلة لأنك كنت تعتقد في قرارات نفسك أنها ستحميك يوما عندما تحتاج إليها. لا لم يكن هناك جواب في أي من الدروس التي حفظتها وأنت مسرور لأنها أكسبتك مجدا و محبة واكتشفت متأخرا أنها عابرة ككل شيء . كنت تمني نفسك بالأماني الجميلة و تعد نفسك بالغد ، و تقولها و تعيدها بأنك غدا ستفهم كل شيئ ستفهم هذا العالم الذي يتظاهر لك بغرابته .
دخل غرفة مظلمة كانت تبدو كحجرة درس كان يرى و يسمع عبارة واحدة فقط، كانت مكتوبة بخط عريض على تلك السبورة التي تخللها البياض بعدما كانت سوداء، وكأنها كانت تقول له أنظر إلي سأصبح بيضاء كالثلج ، ولكن ليس الآن انتظر حتى تكتب هذه العبارة ألف مرة على جبيني ولكني لا أضمن لك أن تنتظر بياضي و أنصحك أنت و الكثيرين من أبناء جيلك أن تتعودوا على سوادي. كانت كأغنية يحسها في نبرات أصوات كل من يجلس في ذلك المكان الذي كان يمثل له الغد و المستقبل و الخلاص، كانت تلك العبارة كالشعار الوحيد المتبقي في هذا العالم بعدما اندثرت كل الشعارات مع الأزمنة الغابرة . فر ذلك اليوم إلى حديقة تملؤها الخضرة للبحث عن عوالم أخرى، وهو يقول في قرارات نفسه ألف مرة بأن هذا العالم ليس بعالمه، كان يحاول أن يقنع نفسه أو يحميها من أفكار تهدمها و تهدم الحلم الذي رسمه ويرسمه كل يوم كي يتذكره رغم انه لم ينساه يوما رغم كل شيء . ذهب يبحث عن أي شيء يثبت له أن كل ما سمعه كان مجرد هراء أو كابوس سيستيقظ منه عاجلا أو آجلا . جلس فوق مقعد خشبي رأى أطفالا تركد حقا وراء شيء كنت تلمس في عيونهم نوعا من الأمل الممزوج بالسذاجة و الحلم كانوا يركضون ويبتسمون ، فقط لأنه كان وقت محدد للعب و الضحك و التفاؤل قبل أن يدق الجرس و يدخلوا إلى فصولهم قبل أن يقرؤوا تلك العبارة التي تقول لهم أنه لم تعد هناك أية جدوى من أي شيء.
لكنه ظل في قرارات نفسه يبحث عن ذلك الطفل الذي في داخله ، يرفض أن يكون ضحية لتناقضات مجتمعه ، تذكر أخته الصغرى أحلام ،البريئة الحالمة الخجولة و المتواضعة ، أحلام كانت تفكر في كل شيء و تحمل على عاتقها عبئ البشرية كانت تريد أن تصبح قاضية ليسود العدل و السلام في المجتمع ، ماذا ستفعل لو لم أعمل غدا و لم تجد نقودا تمتطي بها الحافلة . ماذا ستفعل لو لم تجد نقودا لتشتري الكتاب هل ستكتئب هل ستنام طوال الوقت هل ستفكر في الموت لا أريدها أن تصبح كباسمة لا أريد لها هذه النهاية . كانت باسمة أذكى فتاة في أسرتنا كانت كالبحر في هيجانه و قوته و جبروته و كانت كالسماء في ركودها و سكينتها ، كانت تحب الكتابة و الكتاب كان حلمها أن تسافر إلى كل العالم لتكتب عن السلم والحرب عن العدل و الظلم و عن الحب و الكراهية ، كانت تريد أن تكتب في كل شيء لم تكن لها هوايات سوى القراءة لم يكن لها أصدقاء سوى الكتاب، و الآن أصبحت هوايتها المفضلة هي النوم ، لم تعد تريد الاستيقاظ أصبحت تكره اليقظة . أصبحت تنام و تستيقظ لتنام باتت تكره الكتاب والكتاب أصبحت تضحك في كل شيء عن كل شيء و من كل شيء . أختي أنا باسمة لا تفكر في الغد ولا حتى في اليوم . لا أريد لأحلام أن تصبح كباسمة و لم أرد لباسمة مصيرا كهذا . و فجأة و في ليلة صيفية خانقة انقلبت السماء و أصبحت كقاع المدينة انقلبت السماء التي من أجلها كان يريد الصعود . ماتت باسمة و تقضي الآن أحلام مدتها في السجن لأنها أرادت أن تحقق العدل الذي طالما حلمت به ، ولكن بطريقتها . كل شيء بالنسبة له ماضي، و أصبح الآن شخصا كأي شخص يجلس في تلك الغرفة المظلمة وأحس لأول مرة بالانتماء، بعدما شعر بالغربة طيلة حياته الماضية أصبح الآن كما أرادوا له أن يكون و بعدما كان يغلف الكتاب، أصبح يغلف شيئا آخر و بدقة متناهية يدخله إلى فمه كما كان يدخل الحروف . ولكنه وجد فرقا واحد أن الحروف أرادت أن تطفوا به إلى السطح ولكنها لم تستطيع لأن الكل كان يحاربها و يحاربه أما السيجارة التي في يده أقلعت به فوق السحاب وكل الناس ساعدوه في الإقلاع حتى لو كان كل ما يحسه حلما و ليس حقيقة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire